مقدمة: ماذا نضيء عندما نتكلم عن القصص والروايات؟

أتذكر عثرات القراءة التي واجهتني قديمًا في بداية مشوار قراءتي للقصص القصيرة والروايات، المعاصرة منها والكلاسيكية: إما رواية لا أكملها، أو قصة لا أفهمها. نص لم أستطب قراءته رغم جودته التي شهدتُ عليها بعد سنين، وحكاية حلفت على غباء كاتبها ثم وعيت خطأي في فهم معانيه... عثرات بانت لي بعد حين، وبعضها ربما لم أعرفها حتى الآن!

أثّرت تلك العثرات على إعجابي بالنصوص، وتخيلي للعوالم التي رسمها الكتاب بأوصافهم، وفهمي لمعاني السرد وتعقيدات الحكايات، وجهلي بالسياقات الواقعية والمتخيلة. هذا سوى التعقيدات التي تنشأ من الراوي داخل النص نفسه، وصعوبة تمييزه عن الكاتب - وعني أنا القارئ أحيانًا - والتنقل بين أكثر من راوٍ للحكاية، وتعدد الأصوات فيها، والحوارات الطويلة المتبادلة ككرة المضرب تضيعني في أيهم الذي يتكلم، وأماكن الأحداث وشخوصها، وتعاقب الأزمان غير الخطية...

ومع مواصلة القراءة والحديث عما قرأته وسماع رأي غيري عن المقروء، صرت أستطيب الجيد من القصص وأميز البديع من الروايات. ثم بعد انخراطي في الكتابة وتعلم تقنيات الصنعة، تلاشت عني تلك الغمامات. كأن هناك مبادئ يتفق عليها القارئ والكاتب حتى يكون انتقال النص المسرود إلى عقل القارئ وجوارحه صافيًا دقيقًا. كأن تلقي العمل السردي؛ من وصف للعالم المتخيل إلى كشف الأحداث وتبيين الشخصيات قائم على معاهدة يوقع عليها القارئ قبل قراءة العبارة الأولى.

وجدت أن هناك قراء يمرون بهذه المعضلات التي خضتها وتخطيت أغلبها. قد يقضون أمدًا طويلًا في هذه الأوحال السردية كما حدث معي، أو يتخلون عن القراءة، أو يكونون أسرع مني في فهمها وتجاوزها. ربما تفوتهم نصوص جميلة، أو يسقطون في نصوص ضعيفة لا يتعدونها ولا يدرون عن النفيس من القصص والروايات الذي سيبهرهم لو عرفوا كيف الوصول.

فلذلك؛ قررت أن أكتب عن مواضيع السرد في القصص والروايات ما يساعد القارئ في فهم معاني النصوص وشكل السرد ومقاصد الكاتب والراوي كذلك. متيقن بأن الكتابة في هذه المواضيع ستفيدني أكثر مما تفيد قارئها؛ فالكتابة هي أعقد طرق التفكير، وكلما كتبت عن موضوع كلما اضطررت للتفكر فيه أكثر. سيكون لهذا أثر في فهمي وتحليلي للنصوص التي أقرأها، وتطور ملكتي في تحليل شكل القصص والروايات وكيف نفهمها - رغم أن فهم النصوص السردية هي تجربة منفردة لكل قارئ.

هنا البداية... هي إضاءات لنا، نتبصر بها القصة والرواية إذا قرأناها. أتكلم في مواضيع مختلفة عن القصة والرواية المعاصرة لنبحث في ماذا تريد الحكايات أن تقول، وماذا نفهم من النص القصصي والروائي (أو لنقل السرد اختصارًا).

شوال 1445